السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من فضل الله على عباده تتابع مواسمِ الخيرات ، ومضاعفةِ
الحسنات ، فالمؤمن يتقلّب في ساعاتِ عمره بين
أنواع العبادات والقربات ، فلا يمضي من عمره
ساعة إلاّ ولله فيها وظيفة من وظائف الطّاعات ، وما أن
يفرغ من عبادةٍ إلاّ ويشرع في عبادةٍ أخرى ، ولم يجعل الله
حدّاً لطاعةِ العبد إلاّ انتهاءِ عمره وانقضاءِ أجله
يقول جلّ وعلا :
{ واعبد ربّك حتّى يأتيكَ اليقين }( الحجر 92) ، وهذه
هي حقيقة الإستقامةِ الّتي وعدَ الله أصحابها بالنّجاةِ ، والفوز
بعالي الدّرجات ، فقال سبحانه :
{ إنّ الّذين قالوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّلُ عليهم
الملائكةُ ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّةِ الّتي
كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي
الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها
ما تدّعون * نزلا من غفور رحيم }( فصّلت 30- 32 ) .
وممّا منَّ الله به على عباده بعد انقضاءِ شهرِ الصّيامِ
والقيام ، ورتّب عليه عظيم الأجر والثّواب صيام
ست أيّام من شوال الّتي ثبت في فضائلها العديد
من الأحاديث منها ما رواه الإمام مسلم من
حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنّ النبي
- صلّ الله عليه وسلّم - قال :
( من صامَ رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال
كان كصيامِ الدّهر ) .
وفي رواية لإبنِ ماجة عن ثوبان أنّ رسول الله
- صلّ الله عليه وسلّم - قال :
( من صام ستّةِ أيّام بعد الفطر كان تمام السّنة
{ من جاء بالحسنة فله عشرِ أمثالها } ) .
وقد ذكر أهل العلم عدّةِ فوائد ومعانٍ لصيامِ
هذه الأيّامِ السّت :
منها أنّ العبد يستكمل بصيامها أجر صيامِ
الدّهرِ كلّه ، وذلك لأنّ الحسنةَ بعشرِ أمثالها
فشهرُ رمضان يعدلُ عشرةِ أشهر ، وهذه السّت تعدلُ
شهرين ، وقد ثبت ذلك في حديث ثوبان المتقدم عند
ابن ماجة وثبت أيضاً في حديث ذكره أبو الشّيخ
في الثّواب ، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع :
( جعل الله الحسنة بعشر أمثالها الشهر بعشرةِ
أشهر وصيام ستّةِ أيامٍ بعد الشّهر تمام السّنة ) .
ومنها أنّ صيامِ النّفل قبل وبعد الفريضة يكمل به
ما يحصل في الفرض من خللٍ و نقص ، فإنّ
الفرائض تجبر وتكمل بالنّوافلِ يومَ
القيامة ، كما ثبت ذلك عن النّبي
- صلّ الله عليه وسلّم - من وجوهٍ متعدّدة .
ومن الفوائدِ أيضاً أنّ معاودة الصّيام بعد
رمضان من علاماتِ القبول ، فإنّ الله إذا
تقبّل عمل عبدٍ وفّقه لعملٍ صالحَ
بعده ، كما قال بعضهم :
ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، فمن عمل حسنةً
ثم أتبعها بحسنةٍ بعدها كان ذلك علامةً
على قبولِ الحسنةِ الأولى .
ومنها أنّ معاودةِ الصّيام بعد الفطر فيه شكرٌ
لله جلّ وعلا على نعمته بإتمامِ صيامِ رمضان ومغفرةِ
الذّنوب والعتقِ من النّار ، وقد أمرَ الله سبحانه وتعالى
عباده أن يشكروه على هذه النّعم العظيمة فقال سبحانه :
{ و لتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلكم
تُشكرون }( البقرة 185) ، فمن جملة شكر العبد
لربّه على توفيقه لصيامِ رمضان ، وإعانتهِ
عليه ، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له عقب ذلك .
ومن الفوائد كذلك المداومة على فعلِ الخيرات ، وعدم
انقطاع الأعمال الّتي كان العبد يتقرّب بها إلى ربّه
في رمضان بانقضاءِ الشّهر ، ولا شكَّ أنّ أحبِّ الأعمالِ
إلى الله ما داوم عليها صاحبها ، وكان النّبي
- صلّ الله عليه وسلّم - إذا عملّ عملاً أثبته ، وسُئلتْ
عائشةَ رضي الله عنها عن عمله عليه الصّلاة والسّلام
فقالت : ( كان عمله ديمة ) .
ومن أجلِ هذا المعنى ذم السّلف من انقطع عنِ العمل
الصّالح بعد رمضان ، قيل لبشر :
إنّ قوماً يتعبّدون ويجتهدون في رمضان فقال :
بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلاّ في رمضان .
فعودُ المؤمن إلى الصّيام بعد فطرهِ دليلٌ على مداومته
على فعلِ الخير ، وعدمِ انقطاعهِ عن العمل الصّالح ، إلى
غير ذلك من الفوائد والمعاني العظيمة .
وهذه السّت ليسَ لها وقتٌ محدّد من شوّال ، بل يصومها
المسلم في أيِّ جزءٍ من أجزاءِ الشّهر ، في أوّله ،
أو في أثنائه أو في آخره ، وله كذلك أن
يصومها متتابعةٍ أو مفرّقة ، ولكنّ الأفضل
أن يبادِرَ إلى صيامها عقب عيدِ الفطرِ
مباشرةً ، وأن تكونَ متتابعة - كما نصَّ على ذلك
أهلِ العلم - لأنّ ذلك أبلغ في تحقيقِ الإتّباع
الّذي جاء في قوله - صلّ الله عليه وسلّم –
( ثم أتبعه ) ، كما أنّه من المسابقةِ إلى الخيراتِ
والمسارعة في الطّاعات الّذي جاءتْ النّصوص بالتّرغيبِ
فيه والثّناء على فاعله ، وهو أيضاً من الحزم
الّذي هو من كمالِ العبد ، فإنّ الفُرص لا
ينبغي أن تفوّتْ ، والمرء لا يدري ما
يُعرض له من شواغل وقواطع تحولُ بينه وبينَ
العمل ، فإن أخّرها أو فرَّقها على الشّهر
حصلتِ الفضيلةِ أيضاً .
ومن كان عليه قضاء من شهرِ رمضان فعليهِ أن يبدأَ
بقضاءِ ما عليه أوّلاً ، حتى يُحَصِّل الثّواب الوارد
في الحديث ، وذلك لأنّ الأجر الوارد لا يَحْصُل إلاّ
بعد إكمالِ عدّةِ رمضان ، لقولهِ عليه الصّلاةِ
والسّلام ( من صامَ رمضان ثم أتبعه ستّاً من شوّال )
ومن كان عليه أيّامٍ من رمضان لا يصدق عليه أنّه
صام رمضانَ كاملاً .
ولو فرضَ أنّ القضاء إستوعبَ جميعَ شوّال كأن تكون
المرأة نفساء ، ولم تصمْ أيَّ يومٍ من رمضان ، ثمّ
شرعت في قضاءِ ما عليها في شوّال ولم تنتهِ إلاّ
بعد دخولِ شهر ذي القعدة ، فإنّها تصومُ
الأيّام الستّةِ بعدَ ذلك ، ويكون لها أجرَ
من صامها في شوّال ، لأنّ تأخيرها هنا
للضّرورة وهو متعذر ، فيثبت لها
الأجر إن شاء الله .
السبت سبتمبر 21, 2013 5:51 pm من طرف لوتس
» .. الدقة البلاغية القرآنية ...
السبت يونيو 01, 2013 9:20 am من طرف رتوش القمر
» هُـنـا ... وهنــــاك
السبت يونيو 01, 2013 9:15 am من طرف رتوش القمر
» من أطايب الكلام
الأربعاء يناير 30, 2013 4:13 pm من طرف هذا_أنا
» منتجع كومو شامبالا في بالي في أندونيسيا
الإثنين يناير 28, 2013 5:40 pm من طرف هذا_أنا
» من فقه الأسماء الحسنى ( الشافي )
الإثنين يناير 28, 2013 5:31 pm من طرف هذا_أنا
» أفضل عشر طرق لإبعاد القوارض
الإثنين يناير 28, 2013 5:24 pm من طرف هذا_أنا
» هذا الذي قتل الأمة الاسلامية
الجمعة يناير 25, 2013 1:36 am من طرف هذا_أنا
» الحلبة - Taraxacum officinalis
الجمعة يناير 18, 2013 3:37 pm من طرف هذا_أنا