مفاتيح تدبر القرآن الكريم
معظم الناس إذا سألته:: لماذا تقرأ القرآن ؟
يجيبك:: لأن تلاوته أفضل الأعمال، ولأن الحرف بعشر حسنات، والحسنة بعشر أمثالها، فيقصر نفسه على هدف ومقصد الثواب فحسب، أما المقاصد والأهداف الأخرى فيغفل عنها
والمشتغل بحفظ القرآن تجده يقرأ القرآن ليثبت الحفظ .. فتجده تمر به المعاني العظيمة المؤثرة فلا ينتبه لها، ولا يحس ولا يشعر بها؛ لأنه قصر همته وركز ذهنه على الحروف وانصرف عن المعاني؛ فلهذا السبب تجد حافظًا للقرآن غير عامل ولا متخلق به .
وجمع الذهن بين نيـات ومقاصد متعددة في وقت واحد، عملية تحتـاج إلى انتبــاه وقصد وتركيز ..
وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت، كان العمل أعظم أجرًا وأكبر تأثيرًا على العامل،،
وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيـــــات كلها عظيمة ..
وكل واحدة منها كافية لأن تدفع المسلم ليسارع إلى قراءة القرآن، ويكثر الاشتغال به وصحبته.
وأهداف قراءة القرآن مجموعة في قولك:: ( ثمَّ شعَّ )
(الثــــاء): ثواب .. (الميم): مناجاة، مسألة .. (الشين): شفاء .. (العين): علم .. (العين): عمل.
فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرًا المقاصد الخمسة معًا، كان انتفاعه بالقرآن أعظــم وأجره أكبر وتدبره أعلى .. قال النبي صلى الله عليه و سلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امريء ما نوى" [متفق عليه] ..
فمن قرأ القرآن يريد العلم، رزقه الله العلم .. ومن قرأه يريد الثواب، فقط أعطي الثواب .. قال ابن تيمية: "من تدبَّر القرآن طالبًا الهدى منه، تبيَّن له طريق الحق" [العقيدة الواسطية (1:] ، وقال القرطبي: "فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسُنَّة نبيه صلى الله عليه و سلم بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يجب، وجعل في قلبه نورا" [تفسير القرطبي (11:176)]، ومن قرأ القرآن يريد النجاح يسَّر الله له النجاح.
لذا، دعونا نتخذ هذه الأهداف في قرائتنا للقرآن ..
الهدف الأول: قراءة القرآن لأجل العلم ..
هذا هو المقصود الأعظم من إنزال القرآن، والأمر بقراءته، بل ومن ترتيب الثواب على القراءة، قال الله عزَّ وجلَّ {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين" [مصنف ابن أبي شيبة 6-126].
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "لقد عشنا دهراً طويلاً وإن أحدنا يؤتى الإيمان (أي: ما تضمنته الآيات من العلم بالله واليوم الآخر ) قبل القرآن (أي: مجرد قراءة الألفاظ) فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه و سلم، فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يوقف (أي: التوقف للتدبر) عنده منه ينثره نثر الدقل" [المستدرك (1:91)، سنن البيهقي الكبرى (3:120)]
قال أحمد بن أبي الحواري: "إني لأقرأ القرآن وأنظر في آية، فيحير عقلي بها، وأعجب من حفاظ القرآن كيف يهنهم النوم، ويسعهم أن يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الله، أما إنهم لو فهموا ما يتلون، وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا المناجاة لذهب عنهم النوم فرحًا بما قد رزقوا" [لطائف المعارف:203]
معنى العلم والعلماء في القرآن الكريم
ما هو العلم الذي نريده من القرآن؟ أهو علم الصناعة؟ أو الزراعة؟ أم الإدارة؟
إننا نريد العلم الذي يحقق لنا النجاح في الحياة .. يحقق لنا السعادة، والحياة الطيبة، والنفس المطمئنة، والرزق الحلال الواسع، ويحقق لنا الأمن في الدنيا والآخرة .. نريد العلم الذي يولد الإرادة والعزيمة، ويقضي على كل مظاهر الفشل والإخفاق في جميع مجالات الحياة.
إنه العلم بالله تعالى وباليوم الآخر ..
كما قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ..} [محمد: 19]، فالعلم الذي يورث الاستغفار، ويدفع إليه هو العلم المؤدي للنجاح .. وهذا العلم هو: علم لا إله الا الله، على وجه يحقق المقصود لفظًا ومعنى.
وقد شاع بين الناس قِصَر العلم الآخروي على قسم واحد منه وهو العلم بالحلال والحرام، وهذا خطأ شائع ..
والصحيح أن العالم حقًا هو من يخشى الله تعالى، وإن كان لا يعرف كتابة اسمه، كما قيل :
ورأس العلم تقوى الله حقًا وليس بأن يقال لقد رئستا
وقال ابن مسعود رضي الله عنه "كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلاً" [مفتاح دار السعادة (1:51)].
كيفية تحقيق مقصد العلم
إن مما يعين على تحقيق هذا المقصد:
أن تقرأ القرآن كقراءة الطالب لكتابه ليلة الامتحان .. قراءة مركزة واعية، بحيث يركز على ما يقرأ، ويعي ما تعنيه كل كلمة، وأنه سيسأل فيه.
الرجوع إلى القرآن في كل موقف من مواقف حياتنا .. فكل موقف أو حدث أو حالة تمر بك تسأل نفسك: أين ذكرت في القرآن؟ وهل وردت في كتاب الله عزَّ وجلَّ؟
فمن أراد أن يكون شخصًا ناجحًا في الحياة، عليه بحفظ القرآن وفهم نصوصه .. ليمكنه الحصول على الإجابات الفورية والسريعة والصحيحة في كل حالة تمر به في حياته .. كما كان جواب النبي صلى الله عليه و سلم لأبي بكر رضي الله عنه إذ هما في الغار { .. لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ..} [التوبة: 40] ..
إنه الثبات والرسوخ ممن حفظوا كتاب ربهم وفقهوا ما فيه في أصعب المواقف التي تمر بالإنسان، وتطيش فيها عقول الرجال.
من تطبيقات مقصد العلم:
أن تضع في ذهنك معاني وأسئلة محددة تريد البحث عن جوابها في القرآن، مثلك في هذا مثل: من يسير في طريق و هو يبحث عن هدف محدد، فإنه يسير بوعي وانتباه .. وأما من يسير وهو خال الذهن، فهو يقطع الطريق من أوله إلى آخره دون أن ينتبه لما يوجد فيه، خاصة إذا كان يسير بسرعة عالية.
القرآن هو أفضل الكتب في شتى مجالات الحيـــاة ..
فكل من يبحث عن السعادة أو القوة أو النجاح، عليه أن يبحث عنها في القرآن .. فالقرآن العظيم ما أنُزل إلا من أجل تحقيق القوة والسعادة للناس، وتحريرهم من عبودية الشهوات والأهواء، وجميع نقاط ضعفهم لينطلقوا في درجات القوة والنجاح في أرقى أشكالها، وأعلى صورها.
إن انشغال الناس بمؤلفات الناس وطلبهم العافية والشفاء النفسي والقوة المعنوية منها يشبه أسلوبهم في التغذية البدنية الجسدية؛ حيث اقتصروا على أطعمة ترضي الذوق والمزاج بينما هي تهدم الجسد وتهلكه.
تزكية النفس بالقرآن
يقول الله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [آل عمران: 164].
إن تزكية الإنسان وإصلاحه له جهتان :
الأولى : العلم والتعليم .. أو الفكر، أو المنطق، أو الإقناع، أو المعتقدات إلى آخره من المصطلحات في هذا المعنى.
الثانية: العمل .. أو التربية، أو التدريب، أو السلوك، أو العادات إلى آخره من المصطلحات.
والقرآن الكريم يحقق الأمرين معًا بأكمل وجه وأحسن صورة .. لمن آمن به وسلك الأسباب الموصلة لذلك.
إن القرآن الكريم بحق هو كتاب التربية والتعليم الذي يغني عما سواه، ولا يغني عنه غيره ..
ولو تأملنا كيف ربى النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه، في زمن لم يكن فيه مدارس أو جامعات أو دورات تطوير الذات أو مؤلفات .. بل كان القرآن الوسيلة الوحيدة التي استخدمها النبي صلى الله عليه و سلم في تربية أصحابه، و في دعوته للناس كافة .. فكان ذاك الجيل الفريد من نوعه في العالم، على مر التاريخ ..
فمتى أردت الطريق المختصر لتغيير شخص فعليك بتغيير معتقداته وأفكاره، وعدم الاقتصار على ملاحقة مفردات سلوكياته وتصرفاته، وهذا ما يحققه القرآن الكريم لمن أخذ بمفاتحه
السبت سبتمبر 21, 2013 5:51 pm من طرف لوتس
» .. الدقة البلاغية القرآنية ...
السبت يونيو 01, 2013 9:20 am من طرف رتوش القمر
» هُـنـا ... وهنــــاك
السبت يونيو 01, 2013 9:15 am من طرف رتوش القمر
» من أطايب الكلام
الأربعاء يناير 30, 2013 4:13 pm من طرف هذا_أنا
» منتجع كومو شامبالا في بالي في أندونيسيا
الإثنين يناير 28, 2013 5:40 pm من طرف هذا_أنا
» من فقه الأسماء الحسنى ( الشافي )
الإثنين يناير 28, 2013 5:31 pm من طرف هذا_أنا
» أفضل عشر طرق لإبعاد القوارض
الإثنين يناير 28, 2013 5:24 pm من طرف هذا_أنا
» هذا الذي قتل الأمة الاسلامية
الجمعة يناير 25, 2013 1:36 am من طرف هذا_أنا
» الحلبة - Taraxacum officinalis
الجمعة يناير 18, 2013 3:37 pm من طرف هذا_أنا